البحث عن الحلم المفقود.. رحلة عذاب سيدة كوردية

البحث عن الحلم المفقود.. رحلة عذاب سيدة كوردية

RojavaNews: تركت بلدتي صفر اليدين، لم نكن نحمل إلا اثواباً نرتديها وسكنت في توركيا، لم نكن نملك حق ربطة خبز، تكرم علينا جيران بالشراشف وبعض الأدوات المنزلية.

هنا ايضاً امتلأت باللاجئين السوريين، لم يعد لدينا اية قيمة هنا، يأكلون حقوقنا ويطعموننا أطعمة فاسدة ويستغلون ظروفنا.

بعد 25 سنة من الحياة الزوجية تقول: "لم اعد افهمه، فهو يتحدث الي بالالغاز"، وتتابع: زوجي تفكيره معقد، فقد القدرة على التآلف مع عائلته بعد ان هاجرنا بلدتنا. تقول (أم مهفان)، انها غادرت بلدتها رغماً عنها بعد الهجوم الاخير لتنظيم "داعش" الارهابي على بلدتهم وتعرضهم للهجرة الجماعية، حيث انها تركت أخيرا زوجها في تركيا وغادرت هي بعد سنة ونصف السنة من الشقاء والغربة الى اوربا بحثاً عن الأمن والأمان والعيش، حاولت خلالها إقناع زوجها بالسفر.

تركت بلدتي صفر اليدين

تحدثت (أم مهفان) عن بدايات حياتها: "طفولتي كانت عادية في مجتمع كوردي"، وطرحت تفاصيل أكثر: درست حتى التاسع وتزوجت في سن 17 عاما، وهي حاليا (39 سنة) ام لولدين وثلاثة بنات. وتابعت بنوع من الثقة: "كنت اعمل كوافيرة واعمل ايضاً في الخياطة، واستطعت ان اؤمن حياة آمنة ومرفهة لاطفالي، وكانت حياتي سعيدة في سوريا نتيجة تعبي وجهدي المستمر، إلا انني كنت اعيش في صراع مع زوجي، كان لديه ميزانيته الخاصة ولدي ميزانيتي ومصاري، لم يكن يثق بأحد من ناحية المصاري، كان يخبئ مصاريه في جيبه ولم اكن اعرف ما يملك، الا انني كنت اقول له، لدي هذا المبلغ واشتريت هذه الصيغ الذهبي.." وأوضحت (أم مهفان): عندما كان يريد شراء شيئ ما، كنت اعطيه ما املك ليضيف بعضا من مصاريه عليها وليشتري ما يريد، كان كل هدفه الاستحواذ على مصاري، لم ارى حياة حلوة من ناحيته، إلا انني كنت ملتهية بأولادي وعملي ولم ابالي بشيء إلا بعد هذه الحرب."

 فتحت هذه السيدة صفحات كتاب معاناتها وقالت: تركت بلدتي صفر اليدين، لم نكن نحمل إلا اثواباً نرتديها وسكنت في توركيا وبدأت حياة جديدة، بدأنا من اللاشيء، لم نكن نملك حق ربطة خبز، تكرم علينا جيران بالشراشف وبعض الأدوات المنزلية وجاءتني جارة صباح يوم وسألتني عن فطورنا، تحججت بأننا لا نفطر في الصباح، الا انها لاحظت اننا لا نملك الفطور وتكرمت بتقديم فطور ذلك الصباح الينا.

لا مستقبل في تركيا

وتابعت تفاصيل اقامتهم في تركيا: يوماً بعد يوم بدأت تتحسن امورنا، بداية استطاعت بناتي ايجاد العمل في محلات الالبسة التجارية، ففي دول الغربة تتواجد فرص العمل للمرأة اكثر من الرجل، وكانت بناتي صغارا بعمر الزهور، لم استطع تحمل ما اراه، بنات مدللات يتعرضن لضغوط العمل ورب العمل ومضايقات المارة وفي الطرق، وفي البيت أيضا يواجهن محاسبة  والدهن الجدية وخاصة بخصوص مواردهن. لكن لكونهن بنات ولديهن احتياجات خاصة، إلا انه لم يكن الوالد يفهم ذلك وكان يتشاجر معهن على رواتبهم.

وتوضح (أم مهفان)، جاء نصيب البنت الكبيرة ولم اكن مقتنعة بنصيبها إلا انها تزوجت اخيراً وارتاحت، وعبر علاقات زوجها استطاعت اختها الصغيرة ايضاً ان تتزوج من احد معارفه. وهنا بدأت مشاكل بين زوجي وابني الكبير، إلا انني لم اعد اتحمل العذاب والتعب في تركيا، لأنه يجب عليك العمل طويلا، والعمل في تركيا لا مستقبل له، لذلك امسكت بيدي طفلي وغادرت تركيا متجهة الى بلغاريا بعد ترك والدهم هناك، كونه لم يرغب ان يرافقنا السفر الى اوربا، حاولت اقناعه بمرافقتنا لكنه كان يرفض الفكرة من اساسها، إلا انني استطعت اقناعه بذهابنا من دونه، وفضل هو البقاء في تركيا بجوار بلدته. والآن يريد العودة الى سوريا بعد ان ابتعدنا عنه كثيراً، يريد بيع محصول تعبي لسنين أمضيتها بالعمل في سوريا، يريد بيع منزلنا الذي غادرناه رغماً عنا. والآن يتحدث الي بالألغاز، لم اعد افهم منه شيئا بعد قضائي 25 سنة معه، لا افهم منه ابدا، انه يريد العودة الى سوريا، لا يستطيع العيش هناك ولا يريد مغادرته، انني قطعت املي به، سوف اذهب الى المانيا واعيش مع اولادي، اتركه هناك، لن اطالبه بشيء ولا اريد منه شيئاً.

صرنا سلعة بأيد الفيسبوك

 تتحدث (أم مهفان) عن تجربتها الجديدة في اشتراكها بشبكة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) بتشجيع من ابنائها قائلةً: "انني لم اكن اعلم معنى الفيسبوك، اولادي اصروا على فتح حسابا لي في هذه الشبكة العجيبة لاستطيع بواسطتها ان اتخلص من الضغط النفسي وملل الغربة واتواصل مع الأصدقاء والمعارف. فقد كانت هناك بعض المشاكل بيني وبين زوجي بشكل يومي، تعرفت على شاب في بلد آخر يفتح صدره لي كي يقاسمني همومي، في بداية الامر كانت معرفتنا سطحية واخبرت زوجي عنه، الا انني وجدت نفسي متعلقاً به واهتمامه الزائد بي، فارتحت له، فبدأت اتقرب منه كثيراً واخفي أمري من زوجي، كلما يسألني هل تتحدثين مع فلان؟ كنت اجيبه بكلا. وهذا زاد الفراغ بيني وبين زوجي وابعدني عنه وتعلقت بهذا الشاب الذي تعرفت عليه عبر هذه الشبكة العجيبة، وفي النهاية فقدته وغاب عني، ولم افهم كيف فقدته. ثم جائتني فكرة السفر واقنعت زوجي بالسفر الى اوربا تخلصاً من العذاب والتعب من دون نتيجة في تركيا، فسافرت مع ولدي وتركته مع بقية اولادي هناك. تتابع هذه السيدة: بعد هجوم داعش الاخير، غادرت سوريا "انا مع عيلتي" بلدتي منذ سنتين ونصف الى توركيا، وثم غادرت تركيا الى اوربا بحثا عن الاستقرار والامان ولقمة العيش وضمان مستقبل افضل لاطفالي. "تركت زوجي مع ابني الصغير في تركيا واصطحبت ابني البكر وابنتي ذات الـ(10) اعوام وانطلقت عبر الافاق باحثة عن لقمة العيش، محطتي الأولى كانت بلغاريا، حيث المنفذ الرخيص الوحيد للاجئين السوريين"، وتقول أيضا "أريد الذهاب من بلغاريا الى المانيا حيث الامن والامان والعيش المضمون والحرية".

تخوض (ام مهفان) بين ثنايا ذاكرتها الجريحة وتقول: "كان زوجي صعب المزاج، يتعامل مع بناته وأبناءه بقسوة مفرطة، لقد ارتحنا من عقد المشاكل المادية بفضل العمل، الا انني كنت اعاني من مشاكل حياتية يومية معه ولم نصل الى برّ التفاهم معه، كان عصبيا غير مبال بشؤون عائلته"، واستدركت "لكنه يحبني كثيراً، للأسف بعد 21 عاماً من العشرة لم يعد يهمني وجوده". انها سيدة مقبلة على الحياة، لا تعرف الاستسلام لعوادي الزمن، انها مكافحة وصبورة "احب الحياة، لا يهمني ان لحق زوجي بي ام لا، المهم ان يصلني ابني، سوف اقدم نفسي في اوربا كمنفصلة عنه، لأنهم يقولون ان الحياة في اوربا ممتعة للمطلقة وأفضل من ان تكون مرتبطة." وتابعت القول: سوف اوصل اطفالي الى برّ الأمان، حينها سوف اكون حرة طليقة كي اعيش حياتي بعيداً عن الشرق ومشاكله، سوف اعيش بقية حياتي من اجل نفسي وروحي". وتقول بحسرة "كانت حياتي حلوة في سوريا، كنت اعمل بجد دون كلل او ملل، لكنني اضطررت ان انقذ اطفالي واهرب بعيداً عن المشاكل في سوريا متوجهةً الى تركيا، لكن تركيا امتلأت بالسوريين، لا عمل ولا حياة فيها، الملل والبطالة والمشاكل الفظيعة تحيط بك من كل جانب، كنت أشعر بضيق تنفس هناك."

لم أعد أثق بأحد

وتحدثت (ام مهفان) عن وضعها في بلغاريا قائلةً: "هنا يوجد تجار يسكرون ويعرقلون الطرق كي يستغلوا اللاجئين، كان على كل شخص ان يدفع 140 يورو والعائلة عليها ان تدفع 500 يورو او 600 يورو، حسب المقدرة، كي يسمحوا لهم الدخول الى المانيا بطرق غير شرعية! والآن وبعد ارتفاع الأسعار وعرقلة الطرق من قبل تجار البشر، اصبح السعر الجديد لعبور الفرد الواحد 200 أو 300 يورو." وتابعت ام مهفان حديثها عن أوضاع السفر والذهاب الى المانيا: "بعد حصولك على الاقامة تستطيع الذهاب الى عاصمة بلغاريا "صوفيا" والذهاب بالطائرة الى السويد مع تأمين الفندق ليلة فقط بملغ 160 يورو، ومن ثم الذهاب في اليوم الآخر بالقطار الى المانيا."

هذه السيدة الكوردية التي تنقل قطار حياتها عبر محطات من العذاب والآلام والانتظار، تنتظر أن تمنحها السلطات البلغارية الاقامة كي تكون حرّة من حيث السفر الى جميع أنحاء اوربا. تقول أيضا "لكي استطيع ان افعل ما اشاء، سوف اسافر متى حصلت على الاقامة، لأن هنا ايضاً امتلأت باللاجئين السوريين، لم يعد لدينا اية قيمة هنا، يأكلون حقوقنا ويطعموننا أطعمة فاسدة ويستغلون ظروفنا"، وأضافت "هذه البلدة الفقيرة اكتظت بمخيمات السوريين، يتفق سماسرة سوريون مع ادارة المخيم فيما يتعلق باستغلال اللاجئين من خلال منحهم الإقامات، ومن ليست له واسطة لا يستطيع ان يحصل على الاقامة بسهولة."

ويبدو ان رحلة السفر الى اوربا محاطة بأشواك لا تحصى، فالسفر من دولة الى أخرى يكون عبر السماسرة وتجار البشر، يتلاعبون باسعار تهريب الأفراد كيفما شاؤوا، ولا يترددون من استغلال الضعيف منهم بشتى الطرق، وسعر التهريب يختلف حسب درجة ضعفك ومستوى تفكيرك وحراجة ظرفك، كلما كان ظرفك اصعب كان هناك استغلال اكثر. تقول (أم مهفان): ليس لنا إلا الله، لم اعد أثق بأحد، فقط اريد الحصول على اقامة واتخلص من هذه المعاناة بالسفر الى المانيا، يقولون الحياة هناك مؤمنة للاجئين وهناك تساهلات كثيرة لهم."

ريزان عثمان

Rojava News 

Mobile  Application